عبد المجيد سجال
الأنظمة السياسية الشمولية تعتمد في استراتيجيتها على جعل المجتمع رهينة اجتماعية و اقتصادية لديه ، بحيث يكون الفرد فيها بحاجة دوما إلى الدولة في تلبية حاجياته ، و الأكثر من ذلك هو غرس فكرة لدى مخيال الفرد مفادها أنه لن يستطيع تحقيق تلك الحاجيات الفردية إلا إذا تقرب من رموز السلطة ، بل الأنكى من ذلك ، تجعل المواطن ينفر ممن ينتقد سياسات السلطة لأنه في نظره لن يجلب له تلك المنافع و الحاجيات الفردية بل سيجلب له انتقاما من السلطة .
لا يعتقد أحدكم أن استراتيجية الصوصيال هي استراتيجية هدفها إعالة المواطن بل هدفها تقييد المواطن و ربطه دوما بالسلطة المعيلة أو السلطة الأبوية .
في خضم كل هذا يتفكك الضمير الجمعي إلى ضمير فردي نووي يبحث عن المنفعة الخاصة . و تتفكك المصلحة العامة إلى مصلحة فردية نووية يسعى الفرد إلى تحقيقها حتى و لو كانت على حساب المصلحة العامة .
مع تراكم الزمن ، يتحول الأمر إلى ثقافة شعبية مترسخة ، تتجسد في الانتخابات ، حيث يتقرب المواطن بالسياسيين الذين يمتلكون علاقات مع السلطة بحجة أنهم قادرين على تلبية حاجياتهم الفردية ( سكن اجتماعي ، بناء ريفي ، عقد عمل ، صفقة عمومية ، منصب عالي ، باسبور الحج ، … إلخ ) .
بينما ينفر نفس المواطن من السياسي الذي يبحث عن المصلحة العامة و إلى نقل المواطن من التبعية الاقتصادية و الاجتماعية للسلطة إلى التبعية إلى مشروع المجتمع و مشروع الدولة . بل الأكثر من ذلك يرى هذا المواطن في السياسي الذي يدعوا للإصلاح ، يرى فيه خطرا إذا نجح في الانتخابات ، فيقول في نفسه : قد تنتقم منا السلطة إذا قمنا بتزكية هذا المعارض الذي يدعوا للإصلاح .
و هو ما يتجسد في كل عملية انتخابية ، حيث يمكنكم ملاحظة التوجه العام للناخبين .
لهذا العملية لا تحتاج إلى تزوير في الصناديق أبدا بل العملية برمتها تدور حول التوجيه القبلي للمواطنين كما ذكرت سابقا عن طريق ثقافة السلطة الأبوية المُعيلة التي لا يجب إغضابها و إلا قطعت عنا المصروف . .
في هذا المقال أردت أن أنبه إخواني المترشحين في كل الولايات و الذين يملكون مشاريع هدفها المصلحة العامة و الإصلاح العام ، أن يأخذوا الأمر بالحسبان و أن لا يرفعوا سقف طموحاتهم كثيرا ، بل أن يعتبروا مشاريعهم و برامجهم وسيلة لإقامة الحجة على الشعب من باب إراحة الضمير لا غير ، أو بالمعنى الشعبي ، أنا عرضت عليك الصوف و ممبعد ما تلومنيش .
في الجزائر حتى لو يترشح كينز أو ميلتون فريدمان أو جوزيف ستيجليز أو توماس سويل ، فلن ينالوا إلا أصوات المؤمنين بمشاريعهم ذات المصلحة العامة و أصوات من يعطون الأولولية للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة و هم قلة قليلة جدا .
ڨال ريتشارد نيكسون لأحد معاونيه في البيت الأبيض الأميريكي : إن كلام ميلتون فريدمان ، لا يعنيني في شيء البتة ، لأنه ليس مترشحا سوف يُعاد إنتخابه … السياسيون يفكرون في الانتخابات القادمة و لا يفكرون في الأجيال القادمة ، و الناخبون في يفكرون في مصالحهم الحالية لا في المصلحة المستدامة ، أحييني اليوم و أقتلني غدوة .
قال لي أحد المواطنين المثقفين البارحة ، يا عبد المجيد ، هل تعتقد أن المواطن في ولايتك بحاجة إلى تنمية اقتصادية ؟ لا أبدا ، المواطن بحاجة إلى من يقضيلو صوالحو الشخصية و بعده الطوفان .
بقدر الحقيقة الصادمة إلا أنها واقع و ثقافة لن تتغير إلا بالتخلي عن الصوصيال الاقتصادي و السياسي ، و الأزمة الاقتصادية هي بداية نهاية عهد الصوصيال إلزاما لا إلتزاما .
إذا أردنا التغيير على ميلتون فريدمان أن يلبس كوستيم دوميونش و يتقمص دور الصوصيالي المنقذ ، إلى غاية وصوله للسلطة ثم يطبق استراتيجية الإصلاح … و إلا ستبقى أفكاره حبيسة الكتب …