عبد المجيد سجال
إن العارف بالاقتصاد و السياسة ، لا يستغرب تسارع الأحداث في الأشهر الأخيرة ، أزمات الندرة ، تخفيض قيمة العملة الناجم عن انخفاض مداخيلنا من العملة الصعبة أي مداخيل الريع ، الإرتفاع المطرد في الأسعار ، انخفاض القدرة الشرائية ، الغليان الاجتماعي ، الاحتجاجات الشعبية .
و كما سبق لي و أن طرحت قبل وصول عبد المجيد تبون إلى كرسي الرئاسة ، فإن التركة الاقتصادية كانت ثقيلة جداااا .
لقد ورث الرجل اقتصادا متهالكا بدأت بوادره في الانهيار منذ سنة 2013 أي منذ بداية انخفاض أسعار النفط و الغاز .
كان الاقتصاد يعتمد على الريع في تمويل كل السياسات العامة ، أي القطاعات العامة و موظفيها ، من سياسة الدعم إلى سياسة التشغيل الاجتماعية إلى سياسة الأجور إلى سياسة دعم المشاريع إلى سياسة الأشغال العمومية التي اعتمدت على تضخيم الفواتير و تحقيق الأرباح الطائلة للمقاولين ( لن ادخل في التفاصيل لأنها مذكورة في مقالات سابقة لي في حسابي هذا ) .
و اليوم حكومة السيد الرئيس لم تعد قادرة على مواكبة نفس ريتم الإنفاق العمومي ، فلا هي قادرة على تغطية تكاليف الدعم المعمم ، و لا هي قادرة على تغطية تكاليف الأشغال العمومية مما انعكس على نقص المشاريع ، و لا هي قادرة على تغطية تكاليف سياسة التشغيل الاجتماعية المبنية على تضخم العمالة في القطاع العام ، و لا هي قادرة خلق الوفرة باستيراد السلع التي شهدت ارتفاعا واسعا ، و لا هي قادرة على رفع أجور موظفي القطاع العام ، و لا هي قادرة على طرح استراتيجية تنموية مبنية على الانتاج و الصناعة و الفلاحة بما يتطلب ذلك من ضخ أموال طائلة .
إنها الورطة الاقتصادية ، حيث تدفع الحكومة ضريبة تسيب الحكومات التي سبقتها ، و المشكل الأكبر أن المواطن يدخل في مجال المقارنة بين عهد الرئيس بوتفليقة و عهد الرئيس تبون ، و بما أن المواطن البسيط لا يفقه الاقتصاد ، فإنه يعتقد أن أيام بوتفليقة كانت أفضل بفضل بوتفليقة نفسه و ليس بفضل أموال الريع الناجمة عن ارتفاع أسعار البترول و ليس عن تخطيك اقتصادي متين .
هذه المقارنة يغذيها أيضا أصحاب المنفعة من نظام بوتفليقة و الذين استفادوا على مدار عشرين سنة كاملة من الفساد المالي و المشاريع الريعية و تضخيم الفواتير و الجرائم الاقتصادية التي ذكرت لكم أمثلة عنها في الموانئ .
كما أن غياب الشفافية و المصارحة لدى السيد الرئيس قد ساهم في تأجيج الغليان الإجتماعي و كذا الترحم على أيام الرئيس المخلوع .
فهل نحن نمشي إلى سيناريو أكتوبر 88 ؟
في الحقيقة نحن نمشي بخطوات متسارعة نحو هذا السيناريو للأسف و هناك عدة أطراف تنتظر بشغف حصول هذا السيناريو لتكرار تجربة المجلس التأسيسي ، تلك الأطراف تستغل كل الفرص المتاحة لركوب الموجة ، لأنهم يدركون أن الانتخابات لا تساعدهم و هم معروفون .
لكن مهلا ، هل الرئيس يتحمل مسؤولية ما يحدث الآن .
الرئيس تبون من خلال عدم مصارحة الشعب على الوضعية الحقيقية للاقتصاد و وصفه للخبراء الاقتصاديين بناشري اليأس و القنوط فقط لأنهم يتكلمون بصراحة ، و عدم تبنيه لسياسة تقشفية واضحة المعالم و جريئة مبنية على تقليص الوزارات ، خفض أجور الاطارات السامية ، التخلي عن تعميم الدعم .
قد خلق صورة لدى المواطن البسيط بأن الاقتصاد بخير و الخزينة عامرة .
الصوشل ميديا كذلك كشفت عن فوارق اجتماعية كبيرة جداااا ، فبينما يعيش البعض في البذخ ، لازال يفكر الاخرون في لقمة العيش .
لهذا على الرئيس أن يوجه خطابا صريحا إلى الشعب و القوى السياسية المختلفة ، يكشف فيها عن الوضعية الاقتصادية الحقيقية ، عن الصعوبات و العراقيل التي واجهت الاصلاح و الرقمنة ، عن الحوار المطلوب مع الاحزاب و الشركاء الاجتماعيين ، عن إجراءات تقشفية واضحة كما ذكرت سابقا ، عن سياسات عاجلة لرفع القدرة الشرائية كطريقة الادخار الاجباري مثلا .
ثم الشروع بعد الانتخابات في حكومة توافق وطني لحلحلة الأزمة .
السياسة هي اهم مفتاح لحل المشاكل الاقتصادية إذا كانت في خدمة الاقتصاد و ليس في خدمة السياسة .
بوتفليقة جعل الاقتصاد في خدمة السياسة للاسف .